سلسلة المساجد المغربية: مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء أكبر مسجد في المملكة وثاني مسجد في إفريقيا
ترتبط المساجد بالمغرب تاريخيا بحضارة أمم وتاريخ دول تعاقبت على حكمه، وتعكس هذه الصروح الدينية والحضارية إبداع الفن المعماري المغربي الذي يجمع بين ثقافات متعددة وحضارات مختلفة، حيث تتميز مساجد بلادنا بطرازها الفريد الغني بالتراث المعماري الإسلامي وبالخصوص الحضارة الأندلسية التي أصبحت سمة بارزة لفن بناء المساجد المغربية.
ولعل ما يميز المساجد التاريخية في المغرب هو هندستها وما اشتملت عليه من أنماط زخرفية وأسلوب تقليدي في بناء القباب والصومعات والمآذن وتزيينها بالزخرفة الأندلسية، إضافة إلى ضخامتها وتناسقها وجمالية النوافذ والابواب والحدائق وبرك الماء التي تحيط بها.
الحدث 24 تسافر بكم في سلسلة رمضانية عبر الزمن الى استكشاف بعض المعالم من هذا الموروث الديني والعلمي وتسلط الضوء على مساجد مختلفة من مدن مختلفة بمغربنا الحبيب.
مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء
تعود فكرة إنشاء مسجد الحسن الثاني الى الملك الراحل الحسن الثاني والذي قام بزيارة لمدينة الدار البيضاء وحينها تعهد بإقامة مسجد كبير على الماء في إشارة إلى الآية القرآنية “وكان عرشه على الماء”.
وحسب مصادر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فإن المواطنون المغاربة قاطبة شاركوا في الاكتتاب الوطني، خلال مدة أربعين يوما حيث بلغ مجموع مساهماتهم ما يفوق 300 مليار سنتيم.
ويقع مسجد الحسن الثاني على شاطئ المحيط الأطلسي بجانب المدينة العتيقة، ويعتبر من أروع المباني الدينية في العالم وتحفة فنية تجسد العمارة العربية الإسلامية، وذلك من حيث الشكل والزخرفة والحجم و الموقع.وقد تم وضع حجر الأساس للمسجد في 11 يوليوز 1986. وتم تدشينه في 30 غشت 1993، والذي تزامن مع إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف.
هو أكبر مسجد في المملكة ، وثاني مسجد في إفريقيا، والثالث عشر في العالم، ومئذنته الأندلسية الطابع ترتفع 210 أمتار ويقال إنها أعلى بناء ديني في العالم،
صمم هذا الصرح الديني بتعاون بين مكتب المهندس المعماري الفرنسي ميشيل بانسو Michel Pinceau، ومختلف الهيئات التي تعنى بالصناعة التقليدية المغربية، شركة بويك الفرنسية Bouygues، تحت إشراف وتوجيهات جلالة الملك الراحل الحسن الثاني.
يضم المسجد تقنيات حديثة منها السطح التلقائي حيث يفتح ويغلق، والشعاع الليزري الموجه من قمة صومعة المسجد نحو الكعبة المشرفة لبيان اتجاه قبلة المسلمين، ويصل مداه إلى 30 كم.
واستعملت في المسجد التقنيات مختلفة لخدمة صناعة البناء والصناعة التقليدية المغربية، وقد شارك في عملية البناء 2,500 عامل و 10,000 صانع تقليدي.
وشيدت صومعة المسجد طبقاً للمعمار المغربي-الأندلسي، وهي تمتاز بالرخام الذي يكسوها، ومزودة بمنارة وجامور بثلاث تفافيح نحاسية. واستعمل نوع من الأسمنت بعد مضاعفة مفعوله أربع مرات لدعم إقامة هذه الصومعة التي يقال إنه لا مثيل لها. وتذكرنا الزخارف المنقوشة على الواجهة الرخامية لصومعة المسجد بالصوامع المرينية.أما الألواح الزليجية المزينة للجهة العليا للصومعة باللونين الأبيض والأخضر، فتوحي بألوان السلم والحياة. وقد جهزت الصومعة من الداخل بمصعد سريع يتسع ل 12 شخصاً يمكنهم من الوصول إلى قمة الصومعة في أقل من دقيقة.
ويعتبر مسجد الحسن الثاني ثمرة لمجموعة من البنى والمنشآت الإسلامية في سياق إحياء التراث الأندلسي وتجديده وذلك على الطريقة المغربية. فهو يستمد عراقته ومظهره الجميل من جامع القرويين العريق بفاس، الذي يبلغ عمره أكثر من ألف عام، كما أنه يرث كثيراً من رونق صومعة حسان بالرباط، وصومعة الكتبية بمراكش، والخيرالدة بإشبيلية وجميعها أقامها السلطان الموحدي يعقوب المنصور.
كما يضم المسجد متحفا داخله امتداداً للخزانة التي اشتهرت بها المدارس المرينية التي أسسها السلطان المريني أبو الحسن المريني سنة 1341م وذلك ليجعل منه مركزاً ثقافياً حقيقياً يضفي ثراء على مجموع البناء فضلاً عن رسالته الدينية.
ويتميز هذا المسجد بالجمع بين خصائص العمارة العربية الإسلامية والتقدم التقني الحديث الذي أملته ضخامة الصرح ومتطلبات الحياة المعاصرة، حيث أن هندسته المعمارية مستوحاة من النقاء والغنى الثقافي لفن البناء الذي عرف به المغرب على مر القرون.
ويضم هذا المسجد قاعة صلاة، تبلغ مساحتها نحو 20 ألف متر مربع، وتتسع لـ25 ألف شخص، فيما خصصت للنساء شرفتان مساحتهما 3550 مربع، وبمقدور باحته الخارجية استيعاب ما يناهز 80 ألف شخص.
و خصص جانبه الشرقي لاستحداث مدرسة لعلوم القرآن، تهدف إلى تعليم الجيل الجديد العلوم الشرعية واللغوية، على نهج ما كان يدرس في جامعة القرويين ،كما يضم المسجد مكتبة عمومية تقدم خدماتها للقراء بمختلف فئاتهم العمرية، بغية نشر الوعي وثقافة القراءة، إلى جانب متحف يضم أهم منشآت الصناعات التقليدية التي تم اعتمادها في بناء المسجد.
