حين أنقذت الجزائر الصين من النسيان… وعلّمت التاريخ كيف يكتب نفسه!

يبدو أن الجزائر، التي ما تزال تحاول منذ ستين عاماً إقناع نفسها بأنها “قوة إقليمية”، قررت أن تمنحنا هذه المرة درساً في الخيال الدبلوماسي المتقدّم. فبعد أن بشّرتنا لعقود بأنها “حرّرت إفريقيا”، و“أطعمَت أوروبا الغاز”، و“أخافت إسرائيل بمجرد بيان”، ها هي اليوم تُفاجئنا بادعاء جديد أكثر جرأة: الجزائر هي من أعادت الصين إلى الأمم المتحدة عام 1971!

نعم، لا تندهش. فبحسب المقال البطولي المنشور في موقع TSA الجزائر، فإن الرئيس هواري بومدين — بصفته آنذاك الرجل الذي كانت تهتز له القارات الخمس — قاد عملية دبلوماسية خارقة جعلت من بكين تعود إلى مقعدها الأممي، وتصبح قوة عظمى بفضل حكمة “قصر المرادية”!

القصة كما يرويها الإعلام الرسمي الجزائري لا تقلّ روعة عن قصص “ألف ليلة وليلة”. فبينما كانت واشنطن ولندن وباريس تضع خططها الجهنمية لمنع الصين من دخول الأمم المتحدة، جلس بومدين، حسب الرواية، على طاولة صغيرة في المرادية، يتأمل خريطة العالم ويقول بكل تواضع:”علينا أن نكسر التضامن الغربي ضد الصين!”

وبلمسة سحرية من عبقريته، انقلبت موازين القوى، وهرعت فرنسا وإنجلترا لتغيير مواقفهما، بينما انكمشت أمريكا في زاوية مظلمة وهي تراجع حساباتها بعد أن “هزمها” بومدين بالكلام وحده!

ومن يقرأ المقال الجزائري يظن أن الصين مدينة لبومدين بوجودها، وأن سورها العظيم بني تحت إشراف لجنة مشتركة جزائرية–صينية، وأن ماو تسي تونغ لم يكن سوى تلميذ في مدرسة الدبلوماسية الجزائرية الحديثة.

ولأن الخيال لا حدود له، فقد نُسبت للجزائر حتى القدرة على “إقناع الاتحاد السوفياتي” و”عزل أمريكا”، وكأن موسكو وبكين كانتا في انتظار مكالمة هاتفية من الجزائر العاصمة لتقررا مصير الحرب الباردة.

المفارقة المضحكة أن أي باحث في أرشيف الأمم المتحدة سيجد أن قرار عودة الصين (القرار 2758) جاء ثمرة تحالف واسع بين عشرات الدول النامية بزعامة باكستان وألبانيا تحديداً، بدعم من الكتلة الشرقية. الجزائر، في أحسن الأحوال، كانت من ضمن الدول التي صوّتت مع القرار — وهذا شرف لا ننكره — لكنه بالتأكيد لا يجعلها صاحبة “الدور الحاسم” الذي تحاول الأسطورة الرسمية بيعه.

لكن في الإعلام الجزائري، الواقعية تفصيل مملّ. يكفي أن يكون هناك حدث عالمي لتُضاف إليه بصمة بومدين:اكتشاف البنسلين؟ أكيد بفضل دعم الجزائر لبحوث الطب! و صعود الصين؟ من هندسة الجزائر السياسية!، ثم وصول الإنسان إلى القمر؟ ربما لأن بومدين قال يوماً: “علينا أن ننظر إلى الأعلى”.

وما لا يدركه من يروّجون لهذه الروايات هو أن المصداقية تُبنى على الحقائق لا على الأساطير. فالقوة الإقليمية لا تُقاس بعدد القصص التي تُروى في نشرات الأخبار، بل بمدى تأثيرها الفعلي في القرارات الدولية، وبمستوى التنمية والحرية في الداخل.

والصين اليوم تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بينما الجزائر ما تزال تبحث عن كيفية تصدير البطاطس دون أن تتعفن في الميناء. فربما آن الأوان لأن تركز الدبلوماسية الجزائرية على “إعادة الجزائر إلى الأمم المتحدة”… معنويًا على الأقل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.