صوت روسيا.. “الخيط الرفيع من الأذى” في ملف الصحراء
بقلم : نبيل عبداللاوي
على مشارف جلسة حاسمة جديدة في مجلس الأمن، تعود قضية الصحراء إلى الواجهة من بوابة القرار الأمريكي المنتظر، الذي تصفه مصادر دبلوماسية بأنه الأكثر جرأة منذ عقود، كونه يدفع – بصيغة غير معلنة – نحو تسوية نهائية على أساس الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب سنة 2007.
مشروع القرار، الذي تولّت واشنطن صياغته بصفتها “حاملة القلم”، يجد في فرنسا وبريطانيا سنداً ثابتاً.
أمريكا، التي لا تميل إلى إضاعة الوقت في نزاعاتٍ طويلة الأمد، ترى أن استمرار الوضع الراهن لم يعد يخدم أحداً، وأن ربح الوقت صار يعني خسارة للمنطقة كلها. فرنسا، بدورها، تجاوزت رماد العلاقة مع الجزائر وراحت تتحدث بلغة “الواقعية السياسية”، بينما تلتزم بريطانيا – كعادتها – لغة الحذر الذكي، لكنها في الجوهر تميل إلى المقاربة المغربية التي تحفظ السيادة وتضمن التنمية.
أما الصين، فتبقى كما وصفها أحد الدبلوماسيين العرب: “تنين يرى من بعيد”. فهي لا تميل إلى الاصطفاف الصريح، لكنها تراقب توازنات القوى بعين اقتصادية باردة. بالنسبة لبكين، الصحراء ليست سوى مرآة لمعادلات النفوذ بين واشنطن وموسكو، لا أكثر.
هنا بالضبط، يدخل الدور الروسي.
فموسكو، التي ظلت تمسك بـ”الخيط الرفيع بين الحذر والأذى”، تدرك أن أي موقف متشدد سيضعها في مواجهة غير ضرورية مع المغرب، الذي نجح في بناء علاقة هادئة ومتوازنة معها، بعيداً عن الاصطفافات الحادة. لكنها، في المقابل، لا تريد أن تبدو وكأنها تصطفّ إلى جانب المعسكر الغربي، خصوصاً في زمن الحرب الأوكرانية والعقوبات.
من هنا، يُتوقّع أن تختار روسيا أحد خيارين كلاسيكيين: الامتناع عن التصويت أو صياغة تحفظ لغوي دبلوماسي يتيح لها البقاء في المنطقة الرمادية، حيث لا تُغضب أحداً ولا تُسهم كثيراً.
الدبلوماسيون المخضرمون في الأمم المتحدة يدركون أن الموقف الروسي، مهما كان، لن يغيّر من اتجاه الريح كثيراً. فالمشروع الأمريكي يبدو هذه المرة مدعوماً بزخم دولي واسع، ومحمولاً على اعترافات متزايدة بمغربية الصحراء من عواصم كانت في الأمس القريب على الحياد.
وهكذا، في جلسةٍ ستجمع بين المصالح والمناورات، سيبقى صوت روسيا هو ذاك الخيط الرفيع الذي يمرّ بين شقوق القرار دون أن يقطعه.
لكن الخلاصة الأهم، وربما الرسالة التي ستخرج من القاعة المغلقة، هي أن العالم – بكل تناقضاته – بدأ يدرك أن المغرب لم يعد يناقش منطلقاته في الصحراء، بل يناقش تفاصيل الحلّ.
فهل سيصمد هذا الخيط الروسي في وجه عزم الرباط وحلفائها؟
ربما، لكن من المؤكد أن التاريخ بدأ يكتب الفصل الأخير من هذا النزاع، على الورق الأمريكي وبالحبر المغربي.