الوجه الخفي للغربة… حين تنطفئ الأحلام تحت ضوء النيون الأوروبي

الحدث 24 

 

الغربة ليست دائمًا حكاية نجاح كما تُروى على مواقع التواصل الاجتماعي، بل كثيرًا ما تكون فصلًا مؤلمًا من فصول المعاناة اليومية. في قلب أوروبا، حيث يُفترض أن تسود العدالة والرفاهية، يعيش عدد كبير من شبابنا في صمتٍ خانق، بين جدران غرف ضيقة يتقاسمها خمسة أو ستة أشخاص، لا يجمعهم سوى الحنين إلى وطنٍ تركوه بحثًا عن أملٍ قد لا يأتي أبدًا.

تبدأ القصة بحلم بسيط: «سأهاجر لأبني مستقبلي». لكن سرعان ما يتحول الحلم إلى سباقٍ مرهق ضد الزمن والديون والبرد والعنصرية. شباب يعملون طيلة الشهر دون أن يتمكنوا من ادخار شيء، بين الإيجار الغالي، ومصاريف الحياة اليومية، وضغط الرسائل القادمة من الأهل الذين ينتظرون «الحوالة» وكأنها دليل على النجاح.

ثم هناك الوجه الأكثر قسوة: شباب تاهوا بين الضياع والإدمان، بعضهم فقد توازنه العقلي، وآخرون أصبحوا مشردين يقتاتون من الشفقة. في المقابل، تتفنن بعض المجتمعات الأوروبية في ممارسة أشكال خفية من العنصرية، تُلبسها ثوب «القانون» أو «الاندماج»، لكنها في جوهرها تمييزٌ عنصري ينهش كرامة المهاجر في صمت.

الغربة ليست جنة الفردوس التي تُرسم في مخيلة الشباب. إنها امتحانٌ للنفس، ومختبرٌ للقدرة على الصمود. نعم، فيها فرص وتقدم وحقوق، لكنها أيضًا مليئة بالوحدة والخذلان والبحث الدائم عن الاعتراف.

من هنا، لا بد من إعادة التفكير في الخطاب الذي يلمّع الهجرة، فالحقيقة أن أوروبا ليست حُلْمًا ورديًا، بل واقعًا قاسيًا لا يرحم إلا من عرف كيف يتأقلم ويحافظ على إنسانيته وسط الغربة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.