المؤسسات الترابية في زمن الريع والبيروقراطية الممتدة
عبد القادر شقيب
إن سياسة التسيير للمؤسسات الجماعية مرهونة بأفكار وسلوكيات لا تنتمي إلى حظيرة الجماعات المحلية للدول الديمقراطية التي تؤسس الفكر الانتخابي وفق منظومة تنموية تحليلية عكس مؤسساتنا التي ينقصها التأطير النموذجي والنوعي لتأسيس المشروع الترابي والمستقبلي للمدينة في إطار النزاهة والشفافية والحكامة الرشيدة، فأين يكمن هذا الخلل التسييري والسياسي الذي يقبع داخل هذه المؤسسات مند عقود ؟
كل ما يميز البنية الفكرية والاديولوجية للأحزاب السياسية هو تموقعها في سدة الحكم بما فيه المجال التنفيذي والتشريعي والجماعي … في ظل غياب التأطير الهادف والأنسب، ولتبقى مقيدة لثقافة سياسية نمطية منغلقة ومبنية على أسس الفكر الإيديولوجي الكلاسيكي متشعبة بخطابات تضليلية مناسباتية وديماغوجية، لأن النخب الحزبية لا تؤطر ولا تساهم في تكوين الناخب والمنتخب ولا تلقنه درس المواطنة السياسية الحقة، ظلت متشبثة بمبادئ لسياسات حزبية عقيمة من ضمنها الصراع على الزعامات وغنائم الحزب واعداد وتوجيه البرامج الحزبية المناسباتية والتي شعارها هو الريع الانتخابي بالإضافة إلى الانشقاقات التي تحدث داخل الأحزاب في كل مناسبة انتخابية على إثر خلافات بسيطة بين النخب الحزبية، فالمسيرون للشأن الجماعي هم من طينة هؤلاء الأحزاب وسلالاتها استثناءا بعض الأحزاب التي لها مشروع سياسي تأطيري دو مبادئ اديولوجية قيمة وهادفة تميزها عن باقي الأحزاب، وتنظر إلى المستقبل السياسي والحزبي ببعد فكري عميق.
فالملاحظون والمتتبعون للشأن الجماعي ببلادنا يلاحظون في المستشار الجماعي انعدام الكفاءة التعليمية والتسييرية وكذلك الفكرية، وجل هذه الكفاءات يجب أن تتوفر في المسؤول المحلي بما فيها البعد الفكري العميق والاستراتيجي والتحليلي لبناء أسس المشروع الترابي للمدينة، فديمقراطية التسيير الجماعي يجب أن ترقى وتتقدم وتساير التحولات الدولية والوطنية ،كما يجب أن يتميز المنتخب كذلك بحدس إبداعي وتنموي لوضع المخططات الورشية للجماعة سواء في المجال البيئي والرياضي والاقتصادي والاجتماعي والترفيهي بالإضافة إلى التكوين في المجال الحرفي والصناعي وخلق فرص شغل للفئة العمرية النشيطة. أما فيما يخص بيروقراطية التسيير والتدبير لنخبة المؤسسات المنتخبة يتجلى ذلك في انعدام المراقبة القبلية والبعدية داخل هذه المؤسسات مما يزيد في تكريس ثقافة الفساد والريع وتدبير الصفقات بشكل استبدادي دون ترشيد عقلاني، ومما يزيد في خطورة تكريس هذه الثقافة الفاسدة في ذهنية الناخب والمنتخب وعلى أسس تصورات وأفكار منفعية ووصولية وانعدام خارطة الطريق واضحة المعالم لتأهيل المجالات الجماعية والورشية، فاختيار ممثلي الدوائر يتم وفق أدبيات أسواق حزبية والانتخابية لأن هذا الاختيار ذو الطرح الفكري المستبد ليس بخادم استراتيجي للمدينة في شأن مستقبلها وواقعها.
فالفكر الانتخابي في بلادنا مجرد نظريات جاهزة مستوردة ووصفية في بعض الأحيان، ويحمل في طياته قيم سياسية فاسدة متشبعة بالنفعية والمصالح الخاصة لهذه النخبة المسؤولة فهو ممتد وسائر عبر الأزمنة الانتخابية والواقع السياسي إلا إذا كان هناك بديل زجري مهيكل بأنظمة المراقبة والمحاسبة.
ولوضع أسس المؤسسات الترابية لا بد من تثبيت القواعد الثلاث في أرضية صلبة وفق مفاهيم علمية تخص الكفاءة والتنظير والتأطير، ونخص بالذكر أولا القاعدة الانتخابية والحزبية ثم قاعدة المشروع الترابي وأخذ بعين الاعتبار البنية التأهيلية والتكوينية للمرشح وذلك في إطار الفعل التسييري النزيه للنفقات بالإضافة إلى إقامة شراكات مع الفاعلين الاقتصاديين سواء في القطاع العام أو الخاص بدلا من إهدار مالية الجماعة واستغلال منافعها وصفقاتها وخيراتها باسم الحكامة الفاسدة وباسم بيروقراطية الفكر الاستبدادي القاتل الذي يدمر ألفين جماعة فما فوق في وطن حباه الله بالثروات الطبيعية والبشرية.