المجموعات الفيسبوكية السرية للمشاكل الاجتماعية..العلبة السوداء للمجتمع

استشارات أسرية عشوائية تعقد المشاكل أم تحلها ؟

3

بقلم: حنان العسال

كما هو ملاحظ هناك تكاثر و تفريخ بشكل لافت مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي لمجموعات فايسبوكية، منها السري و منها المفتوحة للعموم، بالإضافة إلى صفحات تحمل أسماء متعددة هدفها “فضفضة”و مشاركة المشاكل الأسرية بشكل عام، و الزوجية بشكل خاص،وتذهب العديد منها إلى أبعد من مجرد “فضفضة” بل تتعداها إلى “اعترافات” تكون أحيانا جد حساسة …
توفر هذه المجموعات الإفتراضية لمستخدمي الموقع الاجتماعي فيسبوك إمكانية نشر مشاكلهم الخاصة دون الكشف عن هويتهم بهدف مناقشتها والتشاور حولها مع المتواجدين في تلك الصفحات؛فضاء خصب للتفريغ و التنفيس زادت نسبة الإقبال عليها مؤخرا بشكل ملحوظ، قد يصل الأمر الى وصفه ب “الظاهرة” وجب إعطاؤها الاهتمام الأكاديمي لدراستها، و الوقوف عندها لما لها من آثار عديدة على الفرد و المجتمع، كما وجب التوعية و التحسيس بخطورتها، لأن الكثير من المشاركين فيها اعتمدوها مصدرا حقيقيا لإتخاذ قرارات مصيرية مبنية على آراء اشخاص مجهولين وليسوا بمتخصصين أو مخولين للمشورة و النصيحة.
من حيث مقاربة النوع الاجتماعي لمتعاطي هاته المجموعات فليس هناك لحد الآن دراسات علمية بالموضوع، لكن من خلال الملاحظة فإن النساء هن أكثر الاشخاص تفاعلا مع المجموعات السرية قصد مناقشة المشاكل الأسرية و الزوجية، وكذا نشر الاعترافات التي لن يقدرن على البوح بها علانية أو للمقربين خوفا من نظرة المجتمع و الاحكام المسبقة و أحكام القيمة التي تلحق الأنثى عادة، لأن المجتمع المغربي لا زال محافظا على النظرة التقليدية للمرأة،و لهذا فهن يلجأن لتلك المجموعات السرية كفضاء للتفريغ و التنفيس بعيدا عن مجهر المجتمع و سلطة عاداته و تقاليده.
الإشكال الذي يطرح نفسه بقوة هو ما الذي يجعلنا نثق في مجموعات إفتراضية يسيرها أشخاص مجهولي الهوية و يتفاعلون مع مشاكلنا من خلال حسابات وهمية ونسلمهم معلوماتنا الشخصية و تفاصيل حياتنا؟
أولا: لابد من الإشارة إلى غياب ثقافة زيارة الأخصائي النفسي من أجل التفريغ في حالة تعرضنا لضغوطات معينة، ولهذا يلجأ البعض الى طرق بديلة؛ منها موقع “الفيسبوك” الذي يأخذ حصة الأسد .
في المجتمع المغربي؛لا زال الذهاب إلى الاستشاري و الطبيب النفسي “طابو” و “عيب و حشومة” ،لغياب الوعي بأهمية استشارة المتخصصين، من جهة،و من جهة أخرى، الربط الخاطئ بين زيارة الطبيب النفسي و الامراض العقلية، فليس كل من يقصد الطبيب النفسي هو مختل عقليا.
ثانيا:كون الاستشارات الافتراضية في المواقع الاجتماعية تقدم بشكل مجاني فليس كل الأسر و الأفراد بإمكانهم أداء تكلفة زيارة الاستشاري النفسي و الأسري.
ثالثا: غياب ثقافة الاعتناء بالصحة النفسية، إذ ناذرا ما تجد شخصا يخصص مبلغا شهريا قصد طلب الدعم النفسي من المتخصصين، في حين نوفر مبالغ مهمة لاقتناء كماليات و مواد تجميل و غيرها.
إن خطورة تكاثر المجموعات الافتراضبة التي تقدم نفسها كبديل عن الإستشاري النفسي و الأسري. بل بتجاوز الأمر إلى تقديم استشارات قانونية من طرف أشخاص غير متخصصين. وهذا لا يؤثر على الحياة الخاصة للفرد فقط، بل يتعداها اطإلى تهديد السلم الاجتماعي،و تفكيك الروابط الاسريةو الاجتماعية،و خلق حالة عامة من القلق، و تكريس أفكار و تمثلاث خاطئة حول المرأة و الزواج و العلاقات الوالدية، وترسيخ العديد من الأحكام المسبقة و أحكام القيمة؛حيث يتم اعتبار الكم الهائل للمشكلات المتوافدة على تلك المجموعات نموذجا واقعا؛ و بالتالي تعم التجارب السلبية و كأنها حالة عامة؛خاصةأننا ناذرا ما نصادف أشخاصا يتحدثون عن تجارب إيجابية حول الزواج و الصداقة…، فنرى الكم الهائل من التعاليق الساخرة تجاههم، و التنقيص منهم، و كأن العلاقات الصحية صارت هي الشاذة وليس العكس.
نشر التجارب السلبية بكثرة يسبب للمتلقي نفسيا نوعا من الإحباط و القلق والخوف و الرهاب الاجتماعي خاصة من تجربة الزواج.
المؤسف في كل هذا هو أن اطأمراض المجتمع انتقلت من أرض الواقع إلى العالم الافتراضي بشكل مخيف؛و تأصلت و ترسخت لدرجة صار مستخدمي الموقع الاجتماعي(فايسبوك) يبنون قناعات من خلالها، و تفككت روابط اجتماعية كثيرة بناء على آراء غير حكيمة من حسابات وهمية تعج بها هاته المجموعات السرية التي كان هدفها في البداية العبث و التهريج، و بعد ذلك بدأت تأخذ شكلا رسميا تؤخذ فيها الآراء و النصائح بشكل جدي،و تُصدّر فيها معلومات خاطئة إلى صاحب المشكل، و يقوم بتجربتها على مشكلته و عوض أن يحل المشكل يقع في فخ التعقيد اكثر و اكثر؛لأن اغلب من يقومون بإعطاء النصائح هم في الحقيقة أشخاص يحتاجون للدعم النفسي و الاجتماعي لمرورهم من تجارب قاسية جعلت منهم اشخاصا سلبيين ينشرون سمومهم عبر نصائح و أحكام خطيرة في المجموعات السرية.
لهذا وجب الاخذ بعين الاعتبار “الظاهرة” بشكل جدي اكاديميا و قانونيا؛ إذ يجب تفعيل القانون ضد المجموعات التي تتحدث عن المشكلات الأسرية؛كونها تدار من أشخاص غير متخصصيين و مزاولتهم لنشاط حساس دون ترخيص، و فتح الباب لاعطاء نصائح عشوائية تؤدي أغلبها إلى كوارث مجتمعية عديدة؛كما ان العديد من الأشخاص خاصة النساء سقطن في فخ الابتزاز و التشهير و النصب بسبب تعاملهم غير الحذر مع تلك المجموعات الافتراضية.
في الأخير، لابد من الإشارة إلى أن الدولة تتحمل ايضا مسؤوليتها في انتشار “الظاهرة” من خلال إهمالها للصحة النفسية، وقلة مراكز الدعم النفسي المجاني، و نقص في التكوين الأكاديمي للاستشاريين النفسانيين و الأسريين والوسطاء الاجتماعي،و إدماجهم في كل المؤسسات بدءا من المؤسيات التعليمية و المحاكم و المستشفيات و غيرها.
كما أن للإعلام دور تكريس “الظاهرة” عن طريق إسناد مهمة الاستشارة النفسية والأسرية لأشخاص غير مؤهلين لذلك.
و يبقى السبيل الآن للحد من “الظاهرة” هو التنبيه و التحذير، في انتظار خطوات مهنية من مؤسسات رسمية، وجب على الفرد تقوية مناعة جهازه النفسي لمواجهة المشكلات التي تعترضه بدل طرحها للمناقشة في مجموعات وهمية. بالاضافة الى إحياء ثقافة الاحتكام إلى كبير العائلة أو شيخ القبيلة-في المجال القروي- لطلب المشورة في بعض المشاكل الاسرية، عوض اللجوء إلى مسير مجموعة فايسبوكية نجهل هويته وعمره وتجاربه في الحياة.

3 تعليقات
  1. F. Kh يقول

    Bravoooo

  2. F. Kh يقول

    أحسنتي واصلي

  3. Elmehdi يقول

    Bravoo

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.