أكاديميون يثيرون نقاشا علميا حول الحرية الأكاديمية بالمغرب من خارج الجامعة بين التجويد والتلويث العلمي

0

نظم المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية والمركز المغربي للديمقراطية والأمن، ندوة علمية  ”عن بعد” حول موضوع: “دور الحرية الأكاديمية في تجويد البحث العلمي وتكريس استقلالية الجامعة“. وذلك يوم السبت 23 أبريل  2022 لمدة 3 ساعات متواصلة.

وقد افتتح هذا اللقاء من طرف الدكتور المصطفى بوجعبوط ميسر الندوة، الذي شكر  الأساتذة الأفاضل على تلبية الدعوة وكذا رحب بالمتتبعين والمتتبعات لهذه الندوة العلمية كما عبر عن اعتزازه بتعاون المركزين حول قضايا الفكر والمجتمع ذات الاهتمام المشترك، وقدم مسير الندوة أرضيتها وسياقاتها واستحضر فيه درجة الحرية الأكاديمية بالمؤسسات الجامعية بالمغرب والتأثير الايجابي لها على هيأة التدريس والطلاب أو التأثر بانعدام تلك الحرية على تفاعلات مختلف المتدخلين وأثرها على البحث العلمي.

و سلم  مسير الندوة الكلمة للسادة الأساتذة لمناقشة موضوع  الندوة من زوايا مختلفة  لأهميته العلمية والبحثية.

فقد منحت المداخلة  الأولى لدكتور إحزرير عبد المالك، استاذ علم السياسة وعضو الجمعية المغربية للعلوم السياسية، وخبير لدى المركز الوطني للبحث العلمي بالرباط، حول: “حرية الاجتهاد الأكاديمي في الجامعة: أدوار الدولة والمجتمع“. و أكد  الاستاذ الفاضل على أهمية موضوع الندوة باعتباره يشكل جوهر الوجود على المستوى الأنطولوجي للمدارس والجامعات والمراكز والذي هو توسيع المعرفة وتطويرها. قد انطلق في بناء إشكالية مداخلته من كتاب حول حرية القدامى وحرية المعاصرين، حيث اعتبر أن الحرية المطلقة كانت عند القدامى في تفكيرهم وفي غدوهم وأرواحهم ووجدانهم، لكن مع نشأة الدولة انحصرت هذه الحرية وانحصرت معها أفكارهم واختياراتهم، وهو الاتجاه الذي سار فيه جان جاك روسو الذي يعتبر أن الحضارة تقيد المعرفة وتقيد الفكر وتؤدي إلى التعاسة. فالحضارة في نظر روسو باعتباره رجل انطباعي ورجل أدب رومانسي الطابع، حيث اعتبر أن الحضارة قد أفسدت علينا سعادتنا. ولذلك فإن بروز الدولة كان وباءا على حرية المعرفة، هذه الأخيرة التي تنبع من المجتمع. ولأن الدولة بنفسها نابعة من المجتمع الذي أنشأها فإنها يجب أن تكون حاضنة للمعرفة.

واعتبر أن الدولة قد استطاعت فرض هيمنتها من خلال  المدرسة ومؤسسات التنشئة عبر الأسرة والمدرسة والإعلام والمقررات المدرسية التي تحتوي على مضامين تساير طبيعة النظام ولا تساير متطلبات المجتمعات. فالعالم قد استقال استقالة جماعية رغم المراكز والمختبرات والجامعات من العقل، لأن القدامى أعطوا للعقل وللفكر قيمة كبيرة لأنه مهم لبناء المجتمعات.

وذهب الأستاذ إلى أن هنالك اليوم  جناحا يمينيا متطرفا في هذا العالم سيطر على المراكز العلمية في دول كبرى، يحمل قيما خرافية وأسطورية تقوم على نصوص تدمير العالم، علما أن المعرفة هي بناء العالم، لهذا وجب الحذر من هذه الأفكار القاتلة اليوم والتي بلورتها بعض مكونات المجتمع العلمي والمعرفي باسم البحث الأكاديمي، وهي مكونات أصبحت أداة للهيمنة والسيطرة وشرعنة الحروب وإذكاء العداء باسم صراع الحضارات.

أما المداخلة الثانية كانت للدكتور مساعد عبد القادر، أستاذ التعليم العالي -كلية الحقوق بطنجة ومنسق ماستر حقوق الانسان  – رئيس المركز العلمي الدولي للحوار والمناقشة حول الأبعاد الجديدة لحقوق الإنسان، حول موضوع : “نظرات في حرية البحث العلمي بالجامعة المغربية“، بعد التحية والشكر للتوجه الذي يسير فيه مركز العدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، من حيث نوع النقاش الذي اختار خوضه، وهو نقاش اعتبره جديدا وثورة جديدة في الفكر، بالنظر لخصوصية المواضيع التي يطرحها وجديتها، وخصوصا من خارج الجامعة.

بعد ذلك تناول موضوع تدخله حيث اعتبر أن موضوع الحرية الأكاديمية هو موضوع شائك لارتباطه بنخبة فكرية وبنوع من المعرفة التي يجب ان تسود داخل المجتمع، وبالنظر لامتدادات هذا الموضوع تاريخيا وارتباطه بالصراع بين الدولة والحرية وسؤال السلطة. لهذا وجب مقاربة الموضوع من زاوية ما يربط الأكاديمي بالدولة والتحول الذي طال هذه العلاقة.

فالحرية هي معطى معرفي لازم للبحث العلمي لا غنى عنها، وهي تستوجب وقفات يمكن إجمالها في خمس نقط أساسية:

  • إشكالية الولاء التنظيمي.
  • التأثير السياسي.
  • احتواء الإعلامي للأكاديمي.
  • التصور المجتمعي للأكاديمي القائم على نظرة المجتمع إليه.
  • غياب الرغبة في تعزيز الحرية الأكاديمية.

وفي الأخير خلص الاستاد إلى مقترحات وتوصيات يجب تفعيلها لتحقيق الحرية الأكاديمية التي تخدم الدولة والشعب على السواء :

  • الحرية ذات طبيعة تنظيمية يجب تكريس الأمن القانوني لها
  • التأطير العلمي مع ضرورة تمويله
  • الاستقلالية
  • ضرورة بناء الثقة العلمية
  • تقوية الدبلوماسية الأكاديمية
  • ملاحظات تفسيرية وملاحظات لشرح وتفسير العلاقة بين الحرية الأكاديمية والتحول الديمقراطي .

أما المداخلة الثالثة كانت للدكتور عبد الجبار عراش أستاذ التعليم العالي – كلية الحقوق – سطات – مدير مختبر الأبحاث حول الانتقال الديمقراطي المقارن، حول: “الحرية الأكاديمية بالجامعة المغربية، حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي: ترابطات الغايات والوسائل”، وبعد تقديمه للتحية والشكر تحدث عن هيكلة موضوعه من خلال تمهيد ومحور أول يهم الترابط الجدلي ما بين الحرية الأكاديمية وحقوق الإنسان، ثم محور ثاني مخصص لملاحظات تفسيرية تهم العلاقة ما بين الحرية الأكاديمية والتحول الديمقراطي.

المحور الأول: الحرية الأكاديمية وحقوق الإنسان حسب المعيارية الدولية والوطنية.

ضم المحور الأول ست ملاحظات تفسيرية:

  • الملاحظة التفسيرية الأولى: حيث نجد نصوصا دولية ووطنية نصت على الحرية الأكاديمية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال مادته 27 وكذا العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة
  • الملاحظة التفسيرية الثانية: هو أن الحرية الأكاديمية تعتبر حقا من الحقوق الأساسية، باعتبار أن هذه الأخيرة هي حقوق دفاعية يحميها المواطن نفسه من اعتداءات الدولة.
  • الملاحظة التفسيرية الثالثة: هي حق أساسي وظيفي وخدماتي وهو ما يفسر ارتباطها بمسألة التمويل، وبالتالي فالحرية الأكاديمية تقاس كذلك لا تقاس فقط بالاستقلالية بل كذلك بالتمويل.
  • الملاحظة التفسيرية الرابعة: الحرية الأكاديمية تعني أن الأكاديمي والباحث الجامعي مسؤول لهذا يتوجب عليه الابتعاد عن المعايير العلمية عندما يضع معرفته خدمة لمصالح اقتصادية أو سياسية أو إيديولوجية أو حتى عسكرية وأمنية
  • الملاحظة التفسيرية الخامسة: الحرية الأكاديمية هو حق أساسي ذو بعدين: بعد سلبي وآخر إيجابي.
  • الملاحظة التفسيرية السادسة: التمييز بين العلم والقيم على أساس أن مهمة ووظيفة العلم تكمن في إنتاج معرفة أصيلة وموضوعية.

المحور الثاني: الحرية الأكاديمية والتحول الديمقراطي.

والذي ضم بدوره ست ملاحظات تفسيرية:

وأكد بعد ذلك على أنه يمكن ملامسة الحرية الأكاديمية مع التحول الديمقراطي أو الديمقراطية من خلال ثلاث زوايا تحليلية:

  • الزاوية الأولى: اعتبار المعرفة والبحث العلمي شرطين أساسيين للمجتمع، وهنا تتجلى وظيفة البحث العلمي لضمان الوصول لاتخاذ قرارات عقلانية وتفادي الوقوع في الخطأ أو الخلل الذي يكون في بعض السياسات العمومية الموجودة في إطار التشكل.
  • أما الزاوية الثانية: فهي وجود تماثل ما بين الديمقراطية والعلم، فكلاهما يتميزان بقيم ثقافية وبالعقلانية والنفعية والعالمية والفردانية.
  • الزاوية الثالثة: في حاجة الدول السائرة في طريق الديمقراطية الى علم نافع وفعال كمصلحة وجودية وحتمية ومصيرية.

أما فيما يتعلق بالمقترحات التي قدمها المتدخل:

  • المقترح الأول: تكريس الأمن القانوني للحرية الأكاديمية كإطار لها ينظمها داخليا وخارجيا، وتنظيم كل ما يتعلق بها بشكل من الوضوح.
  • التأطير العلمي، من خلال رفع التمويل الأساسي للجامعات.
  • الاستقلالية بيداغوجيا وعلميا وتدبيريا.
  • يناء الثقة عن طريق تكريس ثقافة الشفافية والموضوعية والتصدي للسرقة العلمية، والتصدي للولاءات الشخصية، والقبلية، والحزبية وغيرها.
  • تقوية الديبلوماسية الأكاديمية من خلال مشاريع وشراكات تعالج قضايا الدولة والمجتمع بكل تلاوينها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وخصوصا السياسية.

أما المداخلة الرابعة للدكتور محمد المرجان، أستاذ التعليم العالي- ورئيس الجمعية المغربية لعلم الاجتماع، حول:”الجامعة والحرية الأكاديمية”، فبعد التحية والشكر، شدد  الدكتور محمد المرجان على أهمية اختيار موضوع الندوة وقيمته الكبرى. ثم عرج على تحليله لمجموعة من النقط، أولاها علاقة الأكاديمي بالدولة. حيث أكد على انه هذا الأمر لا يمكن التخلص منه بسرعة. فقد اعتبر أن اللحظة التي أسست في أوروبا لعلاقة السياسي بالأكاديمية هي اللحظة التي انحلت فيها السلطة الدينية، وانفصلت الدولة تماما عن الكنيسة. فأحست الدولة لحظتها أنها بحاجة إلى معرفة أخرى، هذه المعرفة التي تمكنها من الوصول إلى المجتمع ومن الاطلاع على حيثياته، والاطلاع على تناقضاته بشكل منطقي وعلمي. وفي هذا الإطار تم الاعتماد على المثقفين وعلى الأكاديميين بشكل خاص، وكانت العلوم الإنسانية في مقدمة هذه الأمور بما فيها من مناهج تم استعمالها في هذا الإطار من اجل فهم المجتمع.

فالعلاقة ما بين الدولة والأكاديمي حسب المتدخل هي علاقة تاريخية، ولا يمكن القول أنها كانت دائما علاقة تناحرية، لان المسالة مرتبطة بظرف تاريخي لكل دولة، وبالمعنى العام الذي نمنحه لهذه العلاقة. لهذا السؤال المطروح هوما مدى إمكانية وصول هؤلاء الأكاديميين إلى ما وصلوا إليه لولا دعم الدولة؟

وفي خضم تدخله، تساءل الدكتور : لماذا الحديث عن الحرية الأكاديمية في هذا الوقت، ولماذا لم يتم التفكير فيها سابقا؟

لقد كان المثقف الجامعي سابقا يخشى التطرق لهذه المواضيع، وربما كانت من المواضيع المسكوت عنها. لأن الأكاديمي دائما يحاول التحلي بالموضوعية، غير ان الحديث عن الجامعة قد لا يكون متسما بموضوعية تامة.

أما المدخلة الخامسة كانت للأستاذ منوزي مصطفى، رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن، تحت عنوان: “جدلية الحق في الأمن المعرفي  ودمقرطة الحقيقة العلمية”، بعد تقديمه للتحية والشكر، أشار إلى تزامن هذه الندوة مع اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، ثم عرج بعد ذلك على معالجة الموضوع من خلال تطرقه للأمن المعرفي وللحقيقة العلمية.

فالحق في الأمن عموما هو أمن ضد الخوف أو هو امن ضد الحاجة. والأمن المعرفي عموما يرتبط بكلا الآمنين. أي انه مرتبط بالخصاص الاجتماعي، وجزء من هذا الأخير هو خصاص معرفي.

وقد انتقل بعد ذلك إلى المعطيات التي جاءت بها هيئة إصلاح منظومة التعليم، وركز على أمرين أساسيين:

  • ضعف الإنتاج العلمي في الجامعات، والذي لا يعود فقط إلى السياسات العمومية، او البنيات التحتية، ولا للنموذج البيداغوجي، ولكن للموارد البشرية، اي مسالة تصدير الأطر الجامعية.
  • ضعف الميزانيات المخصصة للمشاريع البحثية.

فإنه مطلوب من الدولة أن تستثمر في الاكتشاف العلمي الذي حصل في جبل إغود بمنطقة اليوسفية ، والذي من شأن العناية به خلق إقلاع اقتصادي مهم ، وهو أمر يقوي مكانة الدولة رأسماليا ويساعدها على تحديث نفسها ، ليتحرر النظام السياسي ومعه المجتمع من التقليدانية المعرقلة لأي تحول ديموقراطي ، فلا ينبغي على الدولة ان تخشى ان يتحول الإكتشاف العلمي إلى وسيلة انتحارية ، فأمام المغاربة فرصة تاريخية لكي يحققوا انتفاضة علمية شبيهة بما حققته الهزة الداروينية والفرويدية والكوبرنيكية ، ولنخرج من منظومة المكان الفزيائية إلى منظومة الزمان الذهنية ، باستغلال الإكتشاف العلمي للعمر الحقيقي للإنسان العاقل ذي الأصل الإفريقي المغربي ، فهل نقبل التحدي بالإقرار بالحقيقة العلمية المنتجة للتقدم والإنعتاق من شرنقة التخلف القدري القاتلة ؟

أما المداخلة الأخيرة كانت للدكتور محمد جعفر، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري  كلية الحقوق – مكناس  وعضو المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، موسومة بعنوان  : “الحرية الأكاديمية بالجامعة المغربية : مراجعة نقدية”،   انطلق المتدخل من سؤال أساسي حول كيفية تحرير العقل من جمود التقليد.

وقد ركز تدخله على أربعة حالات اعتبرها تظل شاخصة لأربعة مستويات، باعتبارها محددات أساسية  لفعلية الحرية الأكاديمية.

  • الحالة الاولى: حالة لينين الذي طرد وهو طالب من الجامعة لاحتجاجه على انعدام الحرية فيها.
  • الحالة الثانية: عندما سئل فرانكو سانشيز ما الديكتاتورية فأجاب ان تجعل المثقفين والمفكرين يصمتون.
  • الحالة الثالثة: المأساة الأولى لحرية الفكر مع إعدام سقراط وأثره على أفلاطون حيث كان هذا الأمر سببه في التهجير، والفرار من أثينا إلى صقلية ثم إلى مصر والى ايطاليا ليؤسس الأكاديمية بناء على روح الانفتاح وعلى النقد والمناظرة.
  • الحالة الرابعة: تعرض الإمام مالك في عهد هارون الرشيد لمواقفه الصلبة الصارمة و اشهر الى قولته الشهيرة عندما طلب منه تدريس أبناء هارون الرشيد الامين و المامون “ان العلم يؤتى ولا يأتي”.

وقد ختم تدخله بنقطتين:

  • الأولى هي أن الحرية الأكاديمية اليوم هي حرية من بين العديد من مواقع النضال من اجل الديمقراطية.
  • النقطة الثانية والمتعلقة بمسألة الولاء التنظيمي وضرورة الاستقلالية.

ليفتح بعد ذلك المجال للأساتذة المتدخلين لبعض الإضافات والتفاعلات مع جملة من الأسئلة، وجدد مسير الندوة تشكراته لكل السادة الأساتذة بمداخلتهم التي أثارت نقاشا تفاعليا بشكل كبيرة .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.